الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف
.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ فَمَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ وَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْهُ أَوْ كَرِهَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِذَا أَدْرَكَ الزَّوْجَ الشَّبَقُ أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا إِنْ شَاءَ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَبِمَنْعِ الْجَمِيعِ الزَّوْجَ وَطْأَهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ مِنْ مَنْعِ وَطْئِهَا فِي حَالِ الْحَيْضِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ قَائِمًا حَتَّى يَتَّفِقُوا عَلَى الْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَتَّفِقُوا قَطُّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَطْهُرَ بِالْمَاءِ فِي حَالِ وُجُودِ الْمَاءِ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ خِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ ثَبَتَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحَائِضِ أَنَّهَا تَرَى الطُّهْرَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ.801- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْهُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُمَا قَالَا: لَا يَأْتِيهَا حَتَّى تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ.802- حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى، عَنِ الْحَجَبِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْهُ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَهَذَا ثَابِتٌ عَنْهُمَا وَالَّذِي رَوَى عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ الرُّخْصَةَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَيْثٌ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَابَلَ بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ لَمْ تَثْبُتْ رِوَايَةُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، وَإِذَا بَطَلَتِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ وَطْءِ مَنْ قَدْ طَهُرَتْ مِنَ الْمَحِيضِ وَلَمَّا تَطْهُرْ بِالْمَاءِ كَالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ وَلَا نَجْدُ أَحَدًا مِمَّنْ يُعَدُّ قَوْلُهُ خِلَافًا قَابَلَهُمْ إِلَّا بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا مِمَّنْ لَا أَنْ يُقَابَلُ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِمَّنْ يُخَالِفُ مَا عَلَيْهِ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: نَهَى اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ وَأَبَاحَ وَطْءَ الطَّاهِرِ بِقَوْلِهِ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] الْآيَةَ وَأَجْمَعُوا أَنَّ لِلزَّوْجِ وَطْأً زَوْجَتِهِ الطَّاهِرِ وَلَوْ كَانَتْ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا إِنَّمَا تَطْهُرُ بِاغْتِسَالِهَا وَجَبَ مَا لَمْ يَكُنِ الْغُسْلُ مِنْهَا أَنَّهَا حَائِضٌ وَلَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ عِنْدَ الْجَمِيعِ غُسْلٌ وَالْحَيْضُ مَعْنًى وَالطُّهْرُ ضِدُّهُ وَلَمَّا حَظَرَ اللهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَطْأَ الْحَائِضِ وَأَبَاحَ وَطْأَ الطَّاهِرِ وَلَزِمَ الْحَائِضَ الِاسْمُ لِطُهُورِ الدَّمِ وَجَبَ أَنَّهَا طَاهِرٌ لِانْقِطَاعِهِ وَطَهُورِ النَّقَاءِ. وَقَالَ آخَرُ: حَرَّمَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَطْأَ الْحَائِضِ حَتَّى تَطْهُرَ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] الْآيَةَ قَالَ: وَكَانَ وَطْؤُهَا إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ بِالْمَاءِ مُبَاحًا لِأَنَّ النَّهْيَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَانَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَقَالَ آخَرُ: وَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فَإِذَا يَطْهُرْنَ يَحْتَمِلُ غَسْلَهُنَّ فُرُوجَهُنَّ وَيُحْتَمَلُ: اغْتَسَلْنَ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي بِهِ أَقُولُ مَا عَلَيْهِ جُمْلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَطَأَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْمَحِيضِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالْمَاءِ وَاللهُ أَعْلَمُ..ذِكْرُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ: اخْتَلِفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَطْءِ زَوْجِ الْمُسْتَحَاضَةِ إِيَّاهَا فَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ وَطْأَهَا لِلزَّوْجِ فَمِمَّنْ أَبَاحَ لِزَوْجِهَا وَطْأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ.803- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ شَرْوُسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: يُسْأَلُ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ، أَيُصِيبُهَا زَوْجُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ سَالَ دَمُهَا عَلَى عَقِبِهَا.804- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا بَأْسُ أَنْ يُجَامِعَهَا، زَوْجِهَا. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَكَذَلِكَ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ سِيرِينَ.وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ: لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا، وَقَدِ اعْتَلَّ بَعْضُ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: دَمُ الْحَيْضِ الْأَذَى وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ مِثْلُهُ وَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بِاعْتِزَالِ الْحَائِضِ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَكَذَلِكَ وُجُودُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ أَذًى فَلَيْسَ لِزَوْجِهَا أَنْ يَأْتِيَهَا وَأَنْكَر غَيْرَهُ، هَذَا الْقَوْلُ وَقَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ يُشَبِّهُ دَمَ الْحَيْضَةِ بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ فِي الْحَيْضِ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» وَقَالَ فِي الِاسْتِحَاضَةِ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضِ». وَالْمُسَوِّي بَيْنَهُمَا بَعْدَ تَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا غيرمِنْصَفٌ فِي تَشْبِيههِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا قَالُوا: دَمُ الْحَيْضِ مَانِعٌ مِنَ الصَّلَاةِ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَدَمُ الْحَيْضِ يَمْنَعُ الصِّيَامَ وَالْوَطْأَ وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَأَحْكَامُهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ لَا يَجِبَانِ إِلَّا عَلَى الطَّاهِرِ مِنَ الْحَيْضِ وَاللهُ أَعْلَمُ..ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُسْتَمِرِّ بِهَا الدَّمُ وَاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَمْرِهَا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رُوِّينَا فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَخْبَارٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَحَدِهَا وَتَثْبِيتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَبَرَيْنِ الْآخَرِينَ فَأَثْبَتَتِ الْقَوْلَ بِهِمَا فِرْقَةٌ وَنَفَتْ فِرْقَةٌ الْقَوْلَ بِهِمَا وَنَفَتْ فِرْقَةٌ الْقَوْلَ بِأَحَدِهِمَا وَأَثْبَتَتِ الْقَوْلَ بِالْآخَرِ..ذِكْرُ الْخَبَرِ الَّذِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَتَثْبِيتِهِ: 805- حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ كُنَاسَةَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ وَأَمْرُهُ إِيَّاهَا بِالصَّلَاةِ عِنْدَ إِدْبَارِهَا فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: يَدُلُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَ دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا مُنْفَصِلًا مِنْ دَمِ حَيْضِهَا لِجَوَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي». فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ الدَّمُ يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ فِي أَيَّامٍ قَانِئًا ثَخِينًا مُحْتَدِمًا يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ لَهُ رَائِحَةٌ فَتِلْكَ الْحَيْضَةُ نَفْسُهَا فَلْتَدَعِ الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ الدَّمُ وَجَاءَهَا الدَّمُ الْأَحْمَرُ الرَّقِيقُ الْمَشْرِقُ فَهُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ وَهُوَ الطُّهُورُ وَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ.وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ: وَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْنَى فَاطِمَةَ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ كَمَا أَجَابَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ وَهَذِهِ إِذَا كَانَ دَمُهَا يَنْفَصِلُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: لَا يُوَقَّتُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ وَقْتُ نِسَائِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ تُعْرَفُ فِيمَا مَضَى أَخَذْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: وَإِقْبَالُهَا سَوَادُ الدَّمِ وَنَتْنُهُ وَتَغَيُّرُهُ لَا يَدُومُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَوْ دَامَ عَلَيْهَا قَتَلَهَا فَإِذَا اسْوَدَّ الدَّمُ فَهُوَ حَيْضٌ فَإِذَا أَدْبَرَتِ الْحَيْضَةُ فَصَارَتْ صُفْرَةً أَوْ كِدْرَةً فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَحْسَبُ أَنَّ مِنْ حُجَّةِ بَعْضِ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ حَدِيثًا.806- حَدَّثَنَاهُ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ: كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ دَمَ الْحَيْضَةِ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ».قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ: إِنَّمَا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَيَّامِهَا الْمَعْرُوفَةِ كَانَ عِنْدَهَا قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَاضَ، قَالَ: وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ يُسْتَغْنَى بِظَاهِرٍ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ.807- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ: جَاءَتْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللهِ إِنِّي وَاللهِ مَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ أَبَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتِ الْحَيْضَةُ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» قَالَ هَذَا الْقَائِلُ فَقَوْلُهُ: «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا» يُرِيدُ قَدْرَ الْحَيْضَةِ الْمَعْلُومَةِ قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَاضَ، وَهَذَا مُسْتَغْنًى بِهِ عَمَّا سِوَاهُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو أُسَامَةَ وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: «وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي».808- وَحَدَّثَنَا خَشْنَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثنا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: «لَا إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي»..ذِكْرُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِي ثُبُوتِهِ: 809- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَنْبَأَ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ فَإِذَا خَلَّفَتْ فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ تُصَلِّي»..ذِكْرُ الْخَبَرِ الثَّالِثِ الْمُخْتَلَفِ فِي ثُبُوتِهِ: 810- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ.811- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ، عَنْ شُعْبَةَ وَالْحَدِيثُ لَهُ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ بِنْتِ جَحْشٍ يَعْنِي حَمْنَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً كَثِيرَةً، فَجِئْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: «مَا هِيَ يَا هَنَاهْ؟» قُلْتُ: إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْكَ، وَإِنَّهُ لِحَدِيثٌ مَا مِنْهُ بُدٌّ، وَإِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى تَقُولُ فِيهَا يَا رَسُول اللهِ، قَدْ مَنَعَنِي الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، قَالَ: «أَنْعَتُ لَكَ الْكُرْسُفَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِالدَّمِ»، قَالَتْ: فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَتَلَجَّمِي»، قَالَتْ: فَإِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي أَثُجُّ ثَجًّا قَالَ: «آمُرُكَ بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَكِ مِنَ الْآخَرِ، إِنْ قَوَيْتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ، إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحِيضُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٍ فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، حَتَّى إِذَا اسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكَ، كَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوَيْتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا، وَتُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِي وَتَجْمَعِي بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، ثُمَّ تَغْتَسِلِي مَعَ الْفَجْرِ ثُمَّ تُصَلِّي كَذَلِكَ فَافْعَلِي، وَصُومِي وَصَلِّي إِنْ قَوَيْتِ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهَذَا أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» حَدَّثَنَا عَلِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: الْكُرْسُفُ الْقُطْنُ وَقَوْلُهَا أَثُجُّهُ ثَجًّا هُوَ مِنَ الْمَاءِ الثَّجَّاجِ وَهُوَ السَّائِلُ وَقَوْلُهُ: «تَلَجَّمِي» يَقُولُ: شُدِّي لِجَامًا وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: «اسْتَثْفِرِي» وَالِاسْتِثْفَارُ يَكُونُ مِنْ ثَفْرِ الدَّابَّةِ شُبِّهَ هَذَا اللِّجَامُ بِالثَّفْرِ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَحْتَ ذَنْبِةِ الدَّابَّةِ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الَّتِي نَفَتِ الْقَوْلَ بِخَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ وَخَبَرِ بِنْتِ جَحْشٍ فَإِنَّهُمْ دَفَعُوا خَبَرَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: خَبَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ خَبَرٌ غَيْرَ مُتَّصِلٍ لَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَدْخَلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَبَيْنَ أُمِّ سَلَمَةَ رَجُلًا اسْمُهُ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ إِذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُنْقَطِعِ الَّذِي لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.812- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثنا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلًا، أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ امْرَأَةٌ، كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا، أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَحْوَهُ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ فِي قِصَّةِ حَمْنَةَ فَلَيْسَ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرْوِي عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ قَالَ: الدَّافِعُ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَفِي مَتْنِ الْحَدِيثِ كَلَامٌ مُسْتَنْكَرٌ زَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: «تَحِيضُ فِي عِلْمِ اللهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا» قَالُوا: وَلَيْسَ يَخْلُو الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا فِيهِ وَاخْتَارَتْ أَنْ تَكُونَ طَاهِرًا فَقَدْ أَلْزَمَتْ نَفْسَهَا الصَّلَاةَ فِي يَوْمٍ هِيَ فِيهِ حَائِضٌ وَصَلَّتْ وَصَامَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا اخْتَارَتْ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا فَقَدْ أَسْقَطَتْ عَنْ نَفْسِهَا فَرْضَ اللهِ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَحَرَّمَتْ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهِيَ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تُخَيَّرَ مَرَّةً بَيْنَ أَنْ تُلْزِمَ نَفْسَهَا الْفَرْضُ فِي حَالٍ وَتُسْقُطُ الْفَرْضَ عَنْ نَفْسِهَا إِنْ شَاءَتْ فِي تِلْكَ الْحَالِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الثَّلَاثَةِ فَأَمَّا فِرْقَةٌ فَنَفَتِ الْقَوْلَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ خَبَرِ أُمِّ سَلَمَةَ وَخَبَرِ بِنْتِ جَحْشٍ، وَقَالَتْ فِرْقَةُ بِهَا كُلِّهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَا كُلِّهَا: أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ النَّاسَ تَكَلَّمُوا فِي الْحَيْضِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَوَقَّتُوا فِيهِ أَوْقَاتًا مُخْتَلِفَةً فَلَمَّا رَأَيْنَا الْأَوْقَاتَ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ رَدَدْنَا عِلْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى سُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا لِأَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] فَنَظَرْنَا فِي سُنَّةِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهُ قَدْ بَيَّنَ فِيهِ ثَلَاثَ سُنَنٍ تَبَيَّنَ فِيهَا كُلُّ مُشْكِلٍ لِمَنْ سَمِعَهَا وَفَهِمَهَا حَتَّى لَا يَدَعَ لِأَحَدٍ فِيهَا مَقَالًا بِالرَّأْيِ أَمَّا أَحَدُ السُّنَنِ الثَّلَاثِ فَهِيَ الْحَائِضُ الَّتِي لَهَا أَيَّامٌ مَعْلُومَةٌ قَدِ أُحِيضَتْهَا بِلَا اخْتِلَاطٍ عَلَيْهَا ثُمَّ اسْتُحِيضَتْ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَهِيَ فِي ذَلِكَ تَعْرِفُ أَيَّامَهَا وَمَبْلَغَ عَدَدِهَا فَذَكَرَ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ حَدِيثًا عَنْ عَائِشَةَ.813- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، اسْتُحِيضَتْ فَسَأَلَتْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ قَطَرَ عَلَى الْحَصِيرِ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ فَفِي الْحَائِضِ الَّتِي لَهَا أَيَّامٌ مُتَقَدِّمَةٌ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا وَعَرَفَتْهَا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَطَالَ حَتَّى اخْتَلَطَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُهَا وَزَادَتْ وَنَقَصَتْ وَتَقَدَّمَتْ وَتَأَخَّرَتْ حَتَّى صَارَتْ لَا تَعْرِفُ عَدَدَهَا وَلَا وَقْتَهَا مِنَ الشُّهُورِ فَاحْتَجَّ لِمَنْ هَذِهِ قِصَّتُهَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ وَهُوَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ خَبَرُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَأَمَّا السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا أَيَّامٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ قَطُّ ثُمَّ رَأَتْهُ أَوَّلَ مَا أَدْرَكَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا فَإِنَّ سُنَّةَ هَذِهِ غَيْرُ سُنَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَذَكَرَ حَدِيثَ بِنْتِ جَحْشٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَمِّهِ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ خِلَافَ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَا: إِذَا اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَهِيَ غَيْرُ عَارِفَةٍ بِأَيَّامِهَا فِيمَا مَضَى وَلَيْسَ يَنْفَصِلُ دَمُهَا فَتَعْرِفُ إِقْبَالَهُ مِنْ إِدْبَارِهِ وَوَصَفَتْ مِنْ كَثْرَةِ دَمِهَا وَغَلَبَتِهِ نَحْوًا مِمَّا وَصَفَتْ حَمْنَةُ فَإِنَّهَا تَجْلِسُ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ عَلَى حَدِيثِ حَمْنَةَ وَذَلِكَ وَسَطٌ مِنْ حَيْضِ النِّسَاءِ.قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ هَذَا وَتَأْوِيلُهُمَا لِحَدِيثِ حَمْنَةَ خِلَافَ تَأْوِيلِ أَبِي عُبَيْدٍ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ إِنَّمَا تَأَوَّلَ حَدِيثَ حَمْنَةَ فِيمَنْ لَيْسَتْ لَهَا أَيَّامٌ مُتَقَدِّمَةٌ وَلَمْ تَرَ الدَّمَ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ لِمَنْ هِيَ غَيْرُ عَارِفَةٍ بِأَيَّامِهَا فِيمَا مَضَى ضِدُّ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ حَمْنَةَ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضِهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ قَوَيْتِ أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ وَتَغْتَسِلِي حِينَ تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ تُؤَخِّرِي الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغْتَسِلِي وَتَجْمَعِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَافْعَلِي وَتَغْتَسِلِينَ عِنْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ تُصَلِّيَنَّ الصُّبْحَ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي وَصُومِي إِنْ قَوَيْتِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثَ حَمْنَةَ يَقُولُ: وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ نَأْخُذُ وَهِيَ عِنْدَنَا مُتَّفِقَةٌ فِيمَا فِيهِ وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ فِيهِ فِيمَا مَضَى وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ قَالَ: وَجَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُسْتَحَاضَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي سَأَلَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ كَانَتْ لَا يَنْفَصِلُ دَمُهَا فَأَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُهَا الَّذِي أَصَابَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
|